الجمعة، 28 يونيو 2013

ناجي..شاعر النيل والأطلال..

یافؤادي رحم الله الهوی
کان صرحاً من خیالٍ فهوی
اسقني واشرب علی أطلاله
واروِ عني طالما الدمع روی
کیف ذاك الحب أمسی خبراً
وحدیثاً من أحادیث الجوی
یقول ناجي عن شعره " هو النافذة التي أطل منها علی الحیاة وأشرف منها علی الأبد وما وراء الأبد . هو الهواء الذي أتنفسه والبلسم الذي داویتُ به جراح نفسي عند عزّ الإساءة هذا هو شعري. بدأ حياته الشعرية حوالي عام 1926 عندما بدأ يترجم بعض أشعار الفريد دي موسيه وتوماس مور شعراً وينشرها في السياسة الأسبوعية، وانضم إلى مدرسة أبولو عام 1932م التي أفرزت نخبة من الشعراء المصريين والعرب استطاعوا تحرير القصيدة العربية الحديثة من الأغلال الكلاسيكية والخيالات والإيقاعات المتوارثة. وقد نهل من الثقافة العربية القديمة فدرس العروض والقوافي وقرأ دواوين المتنبي وابن الرومي وأبي نواس وغيرهم من فحول الشعر العربي، كما نهل من الثقافة الغربية فقرأ قصائد شيلي وبيرون وآخرين من رومانسيي الشعر الغربي. قصته مع الأطلال كانت تجسيدًا لمعاناته وآلامه بالحب. فقد كانت أول تجربة تعمق نظرته البائسة للحياة هي محبته أيام دراسته الثانوية لفتاة كانت زميلته وتعلقه بها فكتب أشهر قصائده عنها فكانت خير تخليد للحب. وتقع القصيدة في أكثر من مائة وثلاثين بيتا في شكل مقاطع كل مقطع يتألف من أربع أبيات أكثر المقاطع منظومة على الرمل. وقد غنّت أم كلثوم مقاطع منها مع التعديل في بعض الألفاظ وضم مقطع من قصيدة أخرى عنوانها الوداع. تميز الشاعر بالنزعة الروحية الأشبه بالصوفية وتبرز في كثير من التعبيرات التي استخدمها مثل " جعلت النسيم زادا لروحي" و "أسكر نفسي".
ناجي کتب عن أعمق التجارب الشعرية مع اتجاهه بالبساطة حیث لا یعرف الزیف في شعره، ویسعی لأن یستمد من إحساسه من الجمال والحیاة ونری تعابیره الخاصة.
جدد ناجي في شکل القصیدة ومضمونها کما نری تجدیده في الموسیقی، في الخیال، في اللفظ وفي الأفکار و الأسالیب. شعر ناجي فيه الأصالة وعمق التجربة ودعوة واضحة للحریة وللوحدة العضویة في القصیدة، وتبدأ القصیدة بانفعال نفسي یستمر هذا الانفعال مع عاطفته حتى نهایة مضمون القصیدة ویجذب القارئ مع عذوبته.
إذا ننظر إلی أشعار ناجي نجد تصاویر الحزن والیأس فيها وکلّها إشاعة الروح الرومانتیكیة الحدیثة وتتمثل فيها شخصیة الشاعر ملیئة بالشکوی والأنّات ودیوانه وراء الغمام خیر شاهدٍ علی هذه السمة في شعره کما یقول الدکتور شوقي ضیف " فقد کان یدمن قرأءة الآثار الغربیة فتعلّق بهذا الاتجاه وظلّ ینمیه ومن أجل ذلك تتّضح شخصیته في شعره تمام الوضوح بجمیع ملامحها العاطفية وقسماتها الوجدانیة وهي شخصیة شاعر مجروح یئن دائماً ویشکو إفلات سعادته منه بصورة محزونة".
عاب الكثير من النقاد على ناجي أنّ تركيزه كان منصبا علي الشعر العاطفي الرومانسي وقصائد الهجر. غير أنّ هناك رأيا آخر يرى أنّ الشاعر لم تجمع كل قصائده فإنتاجه الحقيقي أكبر من الدواوين القليلة المجمعة له.
كان ناجي شاعراً يميل للرومانسية، أي الحب والوحدانية، كما اشتهر بشعره الوجداني. وكان وكيلا لمدرسة أبولو الشعرية وترأس من بعدها رابطة الأدباء في الأربعينيات من القرن العشرين. ترجم إبراهيم ناجي بعض الأشعار عن الفرنسية لبودلير تحت عنوان "أزهار الشر" وترجم عن الإنجليزية رواية "الجريمة والعقاب" لـديستوفسكي، وعن الإيطالية رواية "الموت في إجازة" كما نشر دراسة عن شكسبير وكتب الكثير من الكتب الأدبية مثل "مدينة الأحلام" و "عالم الأسرة". وقام بإصدار مجلة حكيم البيت. ومن أشهر قصائده قصيدة الأطلال التي تغنت بها المطربة أم كلثوم.
واجه ناجي نقداً عنيفاً عند صدور ديوانه الأول، من العقاد وطه حسين معاً، ويرجع هذا إلى ارتباطه بجماعة أبولو وقد وصف طه حسين شعره بأنّه شعر صالونات لا يحتمل أن يخرج إلى الخلاء فيأخذه البرد من جوانبه، وقد أزعجه هذا النقد فسافر إلى لندن وهناك دهمته سيارة عابرة فنقل إلى مستشفى سان جورج وقد عاشت هذه المحنة في أعماقه فترة طويلة حتى توفي في 24 من شهر مارس في عام 1953.
رفْرَفَ القلبُ بجنبي كالذبيحْ
وأنا أهتف: يا قلبُ اتّئدْ
فيجيب الدمعُ والماضي الجريحْ
لِمَ عُدنا؟ ليت أنّا لم نعد!
إبراهيم ناجي شاعر النيل أو الأطلال وإن اختلف البعض في شعره سيبقى قصيدة للحب والنيل وبلده.