الثلاثاء، 1 أبريل 2014

أغنية للحزن..



الدمع ناي العين!

الحزن

تيه المفردة حين النص إغراء الليل
و كـ بخور يسكن صدر المؤذن بالعشق
حين العشق مفردة من ياسمين و حلم

الحزن
شيء يشبه موت القصيدة .. و خيبة بـ الصدى حين الصدى وحيداً يرد النداء.

الحزن

كما عينيك صلاة لوداع على صدر آلهة من ضوء ..
غفى بعض الحلم في عينيه
و البعض المتبقي مني
تاه في صمت السؤال!

كـأنثى أنهكها الحنين
كان النص يقرؤني على مهل
ثم يلقي به إلى مجمر القصيدة
نذراً آخراً .. وبخور !!

أنا لا أبكي
لا أرقصُ
لا أدورُ
فقط أشبكُ أصابعي بأصابع الهواء !!

القليلِ منْ ملح البُكاء
لأمضُغَ طعمَ أحزاني بـ شهيةٍ أكبر !

حائرة بين البحر
إن قال أنا دمعكِ وبين دمعي
إن قال أنا المطرُ
وأنا الواقفة
بينهما للفرح عطشى

ما ذنب الفرح
تصلبه على بابك
أيها المتخم بالغربة مثل قلبي
ثم ماذا بعد لا أدري
وكل هذا الاشتياق لغيومك الأولى
يبشر بمواسم عشق تأتي على غفلة
من وجعنا المزحوم بالإحتراق ودخان العتمة
الذى رتل الغياب على جوانب الطريق.

هذا القلب
وَهبتهُ للحبِ
جافٌّ هذا القَلب
يَثملُ
رغمَ خَفقاتهِ
يَتسلّقُ الوَهم
فيَسقط كأنهُ غُبارٌ
تَقسمّ على جدار
لا الجدارُ يَنفُضَهُ
ولا هوَ يستكينُ على جدار آخر
وجعٌ يُكبلَّهُ
فيزدادُ جَفافاً


موتورة هى الأحلام.
كـ فجر منهك..
تمشي إلى لحدها .. مهرولة
مخافة البرد
تشعل غليونها
تسرم بسحبها
المختنقة ..
ملاذاً أخيراً من قيودها .
وتنام وحيدة..

يا أيها المثقل
بدمعنا
أسكب من عتيقه
كأساً
و أرفع نخب الوجع
البري الطبع
عالية ..
فالموت
يقرع جرس الوهم !!

سلام عليه
بدمعة شوق تسع الحلم
فيها ورقصة لوركا
على عتبة الحنين تحرسني من انكساري!! ّ

أخشى
أن أكسر المرآة
لأنها تعرفني
أخشى أن تلتصق شظاياها
بجدران حزني بالأشياء
بزهوري بأوراقي بوجهي فتعكسني وتعرفني !!

لما طار طائر الشعر
نقر سُّرَّة الليل
ففاض الدمع
بالأسرار
الأسرار نبشها الدمع قصائدك حكايا الليل !!
بِ أَيّ الهَمَزاتِ أُسَكّنُ الجِراحْ وَ كُلُّ الحُرُوفِ مُنْكَسِرَة !!
ستيسقبلُكِ الحُزنُ بـ كاملِ بهجتهِ
حينَما تَركُلُين
وبـ قدمَيكَ الفَرحَة خارجاً
وتُغلقي خَلفَها الأبواب

يُصافحُك الدّمعُ يـا هَــــــذه ويَحضنُ عَينَيكِ ويأبى الغياب!

نعم آمنتُ بصوتكَ
حين قلت أحبّكِ
و آمنتَ أكثر
بإنتظارك بغيابك
وحزني النائم على أكف الإنتظار
!!

قيثارة الغياب


البداية كانت تسيل نبيذاً
كانت تلفني بضباب مجازك
ترسمني حقلاً من فراشات
كيف كان لي
أن أنتبه أن ضباب المجاز
كان دخان احتراقي
وأن ذئب النهاية جائع
وأن البداية وديعة كانت
انتظر تدفق الكلمات من قلبك
لينبتَ من رماد صدري قلب جديد!




في الحب :
لا شيء إلا النبوة
لافوق
لا تحت
لابين بين
يا نارُ كوني سلامًا
وبردًا
عليهِ
ويا نارَهُ
دثّريني
  


 حين أَنهتها الحكاية
سَاد صمتٌ
جسدٌ بحُزنٍ مُستتر

هكذا
أجمل لوحاتنا
ما بعثرته الرّيح
خطوةٌ بالأمام
خطوةٌ للخلف
نشهق
ثم نطير، نحلق
نمجد السماء ,قليلاً
ثمّ نهطل
على التراب

اختفي ,بصمتٍ
هكذا على رؤوس أصابعه
اختفي

قطرة, قطرة
ارقصي ببطء
كي يرى


كم علّم هذا الغياب
على جسدك!!














الأحد، 18 أغسطس 2013

بشارة الرمال...

     مَا
     الحبُ..؟
  الشوقُ..؟
    سفر القصيدة..؟

  رجلُ وإمرأة
  يعبران القصيدة
  على رمال الحبِ
  تثقلهما القبلُ
  فينبتُ العشبُ


 ونبتة ترتطم بالدمع إنكساراً
  وبالشوق إحتضاراً
 وبلهفةٍ سأرقصُ
  لجدبِ السماءِ

  حَكايا صمتُك
  والعمر صحراء
  هناك حيث الحب
  وبعض الخوف
  والأحلامُ تفترشُ الرمل

   أتندبُ الشمسَ
  حين تغيب دون وداعِ
  قبل انكساري بين يديك حباً
  كيْ أغطّي رملَ أغنيَتي بموجِك
هنا حيث أنت ورمال الشوق


  وعلى رؤوسِ أصابعِ الحبِ 
   سنوصِدُ الشفاه
   بقبلةٍ معتقة
   أ سمعُ وشوشةَ فمه


  أُحبُ الطيران بك
   أن أرتطم بالفضاء
  سـ يَتَسَاقَطَ الْغَيْمُ
  كَسَفاً مِنْ عناقِ

  عطشى كرملٍ
  يُناجي الموجَ
    عن رحلةٍ
   تُعيد لي
 طعم الماءِ !!



 

الجمعة، 28 يونيو 2013

ناجي..شاعر النيل والأطلال..

یافؤادي رحم الله الهوی
کان صرحاً من خیالٍ فهوی
اسقني واشرب علی أطلاله
واروِ عني طالما الدمع روی
کیف ذاك الحب أمسی خبراً
وحدیثاً من أحادیث الجوی
یقول ناجي عن شعره " هو النافذة التي أطل منها علی الحیاة وأشرف منها علی الأبد وما وراء الأبد . هو الهواء الذي أتنفسه والبلسم الذي داویتُ به جراح نفسي عند عزّ الإساءة هذا هو شعري. بدأ حياته الشعرية حوالي عام 1926 عندما بدأ يترجم بعض أشعار الفريد دي موسيه وتوماس مور شعراً وينشرها في السياسة الأسبوعية، وانضم إلى مدرسة أبولو عام 1932م التي أفرزت نخبة من الشعراء المصريين والعرب استطاعوا تحرير القصيدة العربية الحديثة من الأغلال الكلاسيكية والخيالات والإيقاعات المتوارثة. وقد نهل من الثقافة العربية القديمة فدرس العروض والقوافي وقرأ دواوين المتنبي وابن الرومي وأبي نواس وغيرهم من فحول الشعر العربي، كما نهل من الثقافة الغربية فقرأ قصائد شيلي وبيرون وآخرين من رومانسيي الشعر الغربي. قصته مع الأطلال كانت تجسيدًا لمعاناته وآلامه بالحب. فقد كانت أول تجربة تعمق نظرته البائسة للحياة هي محبته أيام دراسته الثانوية لفتاة كانت زميلته وتعلقه بها فكتب أشهر قصائده عنها فكانت خير تخليد للحب. وتقع القصيدة في أكثر من مائة وثلاثين بيتا في شكل مقاطع كل مقطع يتألف من أربع أبيات أكثر المقاطع منظومة على الرمل. وقد غنّت أم كلثوم مقاطع منها مع التعديل في بعض الألفاظ وضم مقطع من قصيدة أخرى عنوانها الوداع. تميز الشاعر بالنزعة الروحية الأشبه بالصوفية وتبرز في كثير من التعبيرات التي استخدمها مثل " جعلت النسيم زادا لروحي" و "أسكر نفسي".
ناجي کتب عن أعمق التجارب الشعرية مع اتجاهه بالبساطة حیث لا یعرف الزیف في شعره، ویسعی لأن یستمد من إحساسه من الجمال والحیاة ونری تعابیره الخاصة.
جدد ناجي في شکل القصیدة ومضمونها کما نری تجدیده في الموسیقی، في الخیال، في اللفظ وفي الأفکار و الأسالیب. شعر ناجي فيه الأصالة وعمق التجربة ودعوة واضحة للحریة وللوحدة العضویة في القصیدة، وتبدأ القصیدة بانفعال نفسي یستمر هذا الانفعال مع عاطفته حتى نهایة مضمون القصیدة ویجذب القارئ مع عذوبته.
إذا ننظر إلی أشعار ناجي نجد تصاویر الحزن والیأس فيها وکلّها إشاعة الروح الرومانتیكیة الحدیثة وتتمثل فيها شخصیة الشاعر ملیئة بالشکوی والأنّات ودیوانه وراء الغمام خیر شاهدٍ علی هذه السمة في شعره کما یقول الدکتور شوقي ضیف " فقد کان یدمن قرأءة الآثار الغربیة فتعلّق بهذا الاتجاه وظلّ ینمیه ومن أجل ذلك تتّضح شخصیته في شعره تمام الوضوح بجمیع ملامحها العاطفية وقسماتها الوجدانیة وهي شخصیة شاعر مجروح یئن دائماً ویشکو إفلات سعادته منه بصورة محزونة".
عاب الكثير من النقاد على ناجي أنّ تركيزه كان منصبا علي الشعر العاطفي الرومانسي وقصائد الهجر. غير أنّ هناك رأيا آخر يرى أنّ الشاعر لم تجمع كل قصائده فإنتاجه الحقيقي أكبر من الدواوين القليلة المجمعة له.
كان ناجي شاعراً يميل للرومانسية، أي الحب والوحدانية، كما اشتهر بشعره الوجداني. وكان وكيلا لمدرسة أبولو الشعرية وترأس من بعدها رابطة الأدباء في الأربعينيات من القرن العشرين. ترجم إبراهيم ناجي بعض الأشعار عن الفرنسية لبودلير تحت عنوان "أزهار الشر" وترجم عن الإنجليزية رواية "الجريمة والعقاب" لـديستوفسكي، وعن الإيطالية رواية "الموت في إجازة" كما نشر دراسة عن شكسبير وكتب الكثير من الكتب الأدبية مثل "مدينة الأحلام" و "عالم الأسرة". وقام بإصدار مجلة حكيم البيت. ومن أشهر قصائده قصيدة الأطلال التي تغنت بها المطربة أم كلثوم.
واجه ناجي نقداً عنيفاً عند صدور ديوانه الأول، من العقاد وطه حسين معاً، ويرجع هذا إلى ارتباطه بجماعة أبولو وقد وصف طه حسين شعره بأنّه شعر صالونات لا يحتمل أن يخرج إلى الخلاء فيأخذه البرد من جوانبه، وقد أزعجه هذا النقد فسافر إلى لندن وهناك دهمته سيارة عابرة فنقل إلى مستشفى سان جورج وقد عاشت هذه المحنة في أعماقه فترة طويلة حتى توفي في 24 من شهر مارس في عام 1953.
رفْرَفَ القلبُ بجنبي كالذبيحْ
وأنا أهتف: يا قلبُ اتّئدْ
فيجيب الدمعُ والماضي الجريحْ
لِمَ عُدنا؟ ليت أنّا لم نعد!
إبراهيم ناجي شاعر النيل أو الأطلال وإن اختلف البعض في شعره سيبقى قصيدة للحب والنيل وبلده.




ناجي..شاعر النيل والأطلال..

یافؤادي رحم الله الهوی
کان صرحاً من خیالٍ فهوی
اسقني واشرب علی أطلاله
واروِ عني طالما الدمع روی
کیف ذاك الحب أمسی خبراً
وحدیثاً من أحادیث الجوی
یقول ناجي عن شعره " هو النافذة التي أطل منها علی الحیاة وأشرف منها علی الأبد وما وراء الأبد . هو الهواء الذي أتنفسه والبلسم الذي داویتُ به جراح نفسي عند عزّ الإساءة هذا هو شعري. بدأ حياته الشعرية حوالي عام 1926 عندما بدأ يترجم بعض أشعار الفريد دي موسيه وتوماس مور شعراً وينشرها في السياسة الأسبوعية، وانضم إلى مدرسة أبولو عام 1932م التي أفرزت نخبة من الشعراء المصريين والعرب استطاعوا تحرير القصيدة العربية الحديثة من الأغلال الكلاسيكية والخيالات والإيقاعات المتوارثة. وقد نهل من الثقافة العربية القديمة فدرس العروض والقوافي وقرأ دواوين المتنبي وابن الرومي وأبي نواس وغيرهم من فحول الشعر العربي، كما نهل من الثقافة الغربية فقرأ قصائد شيلي وبيرون وآخرين من رومانسيي الشعر الغربي. قصته مع الأطلال كانت تجسيدًا لمعاناته وآلامه بالحب. فقد كانت أول تجربة تعمق نظرته البائسة للحياة هي محبته أيام دراسته الثانوية لفتاة كانت زميلته وتعلقه بها فكتب أشهر قصائده عنها فكانت خير تخليد للحب. وتقع القصيدة في أكثر من مائة وثلاثين بيتا في شكل مقاطع كل مقطع يتألف من أربع أبيات أكثر المقاطع منظومة على الرمل. وقد غنّت أم كلثوم مقاطع منها مع التعديل في بعض الألفاظ وضم مقطع من قصيدة أخرى عنوانها الوداع. تميز الشاعر بالنزعة الروحية الأشبه بالصوفية وتبرز في كثير من التعبيرات التي استخدمها مثل " جعلت النسيم زادا لروحي" و "أسكر نفسي".
ناجي کتب عن أعمق التجارب الشعرية مع اتجاهه بالبساطة حیث لا یعرف الزیف في شعره، ویسعی لأن یستمد من إحساسه من الجمال والحیاة ونری تعابیره الخاصة.
جدد ناجي في شکل القصیدة ومضمونها کما نری تجدیده في الموسیقی، في الخیال، في اللفظ وفي الأفکار و الأسالیب. شعر ناجي فيه الأصالة وعمق التجربة ودعوة واضحة للحریة وللوحدة العضویة في القصیدة، وتبدأ القصیدة بانفعال نفسي یستمر هذا الانفعال مع عاطفته حتى نهایة مضمون القصیدة ویجذب القارئ مع عذوبته.
إذا ننظر إلی أشعار ناجي نجد تصاویر الحزن والیأس فيها وکلّها إشاعة الروح الرومانتیكیة الحدیثة وتتمثل فيها شخصیة الشاعر ملیئة بالشکوی والأنّات ودیوانه وراء الغمام خیر شاهدٍ علی هذه السمة في شعره کما یقول الدکتور شوقي ضیف " فقد کان یدمن قرأءة الآثار الغربیة فتعلّق بهذا الاتجاه وظلّ ینمیه ومن أجل ذلك تتّضح شخصیته في شعره تمام الوضوح بجمیع ملامحها العاطفية وقسماتها الوجدانیة وهي شخصیة شاعر مجروح یئن دائماً ویشکو إفلات سعادته منه بصورة محزونة".
عاب الكثير من النقاد على ناجي أنّ تركيزه كان منصبا علي الشعر العاطفي الرومانسي وقصائد الهجر. غير أنّ هناك رأيا آخر يرى أنّ الشاعر لم تجمع كل قصائده فإنتاجه الحقيقي أكبر من الدواوين القليلة المجمعة له.
كان ناجي شاعراً يميل للرومانسية، أي الحب والوحدانية، كما اشتهر بشعره الوجداني. وكان وكيلا لمدرسة أبولو الشعرية وترأس من بعدها رابطة الأدباء في الأربعينيات من القرن العشرين. ترجم إبراهيم ناجي بعض الأشعار عن الفرنسية لبودلير تحت عنوان "أزهار الشر" وترجم عن الإنجليزية رواية "الجريمة والعقاب" لـديستوفسكي، وعن الإيطالية رواية "الموت في إجازة" كما نشر دراسة عن شكسبير وكتب الكثير من الكتب الأدبية مثل "مدينة الأحلام" و "عالم الأسرة". وقام بإصدار مجلة حكيم البيت. ومن أشهر قصائده قصيدة الأطلال التي تغنت بها المطربة أم كلثوم.
واجه ناجي نقداً عنيفاً عند صدور ديوانه الأول، من العقاد وطه حسين معاً، ويرجع هذا إلى ارتباطه بجماعة أبولو وقد وصف طه حسين شعره بأنّه شعر صالونات لا يحتمل أن يخرج إلى الخلاء فيأخذه البرد من جوانبه، وقد أزعجه هذا النقد فسافر إلى لندن وهناك دهمته سيارة عابرة فنقل إلى مستشفى سان جورج وقد عاشت هذه المحنة في أعماقه فترة طويلة حتى توفي في 24 من شهر مارس في عام 1953.
رفْرَفَ القلبُ بجنبي كالذبيحْ
وأنا أهتف: يا قلبُ اتّئدْ
فيجيب الدمعُ والماضي الجريحْ
لِمَ عُدنا؟ ليت أنّا لم نعد!
إبراهيم ناجي شاعر النيل أو الأطلال وإن اختلف البعض في شعره سيبقى قصيدة للحب والنيل وبلده.




ناجي..شاعر النيل والأطلال..

یافؤادي رحم الله الهوی
کان صرحاً من خیالٍ فهوی
اسقني واشرب علی أطلاله
واروِ عني طالما الدمع روی
کیف ذاك الحب أمسی خبراً
وحدیثاً من أحادیث الجوی
یقول ناجي عن شعره " هو النافذة التي أطل منها علی الحیاة وأشرف منها علی الأبد وما وراء الأبد . هو الهواء الذي أتنفسه والبلسم الذي داویتُ به جراح نفسي عند عزّ الإساءة هذا هو شعري. بدأ حياته الشعرية حوالي عام 1926 عندما بدأ يترجم بعض أشعار الفريد دي موسيه وتوماس مور شعراً وينشرها في السياسة الأسبوعية، وانضم إلى مدرسة أبولو عام 1932م التي أفرزت نخبة من الشعراء المصريين والعرب استطاعوا تحرير القصيدة العربية الحديثة من الأغلال الكلاسيكية والخيالات والإيقاعات المتوارثة. وقد نهل من الثقافة العربية القديمة فدرس العروض والقوافي وقرأ دواوين المتنبي وابن الرومي وأبي نواس وغيرهم من فحول الشعر العربي، كما نهل من الثقافة الغربية فقرأ قصائد شيلي وبيرون وآخرين من رومانسيي الشعر الغربي. قصته مع الأطلال كانت تجسيدًا لمعاناته وآلامه بالحب. فقد كانت أول تجربة تعمق نظرته البائسة للحياة هي محبته أيام دراسته الثانوية لفتاة كانت زميلته وتعلقه بها فكتب أشهر قصائده عنها فكانت خير تخليد للحب. وتقع القصيدة في أكثر من مائة وثلاثين بيتا في شكل مقاطع كل مقطع يتألف من أربع أبيات أكثر المقاطع منظومة على الرمل. وقد غنّت أم كلثوم مقاطع منها مع التعديل في بعض الألفاظ وضم مقطع من قصيدة أخرى عنوانها الوداع. تميز الشاعر بالنزعة الروحية الأشبه بالصوفية وتبرز في كثير من التعبيرات التي استخدمها مثل " جعلت النسيم زادا لروحي" و "أسكر نفسي".
ناجي کتب عن أعمق التجارب الشعرية مع اتجاهه بالبساطة حیث لا یعرف الزیف في شعره، ویسعی لأن یستمد من إحساسه من الجمال والحیاة ونری تعابیره الخاصة.
جدد ناجي في شکل القصیدة ومضمونها کما نری تجدیده في الموسیقی، في الخیال، في اللفظ وفي الأفکار و الأسالیب. شعر ناجي فيه الأصالة وعمق التجربة ودعوة واضحة للحریة وللوحدة العضویة في القصیدة، وتبدأ القصیدة بانفعال نفسي یستمر هذا الانفعال مع عاطفته حتى نهایة مضمون القصیدة ویجذب القارئ مع عذوبته.
إذا ننظر إلی أشعار ناجي نجد تصاویر الحزن والیأس فيها وکلّها إشاعة الروح الرومانتیكیة الحدیثة وتتمثل فيها شخصیة الشاعر ملیئة بالشکوی والأنّات ودیوانه وراء الغمام خیر شاهدٍ علی هذه السمة في شعره کما یقول الدکتور شوقي ضیف " فقد کان یدمن قرأءة الآثار الغربیة فتعلّق بهذا الاتجاه وظلّ ینمیه ومن أجل ذلك تتّضح شخصیته في شعره تمام الوضوح بجمیع ملامحها العاطفية وقسماتها الوجدانیة وهي شخصیة شاعر مجروح یئن دائماً ویشکو إفلات سعادته منه بصورة محزونة".
عاب الكثير من النقاد على ناجي أنّ تركيزه كان منصبا علي الشعر العاطفي الرومانسي وقصائد الهجر. غير أنّ هناك رأيا آخر يرى أنّ الشاعر لم تجمع كل قصائده فإنتاجه الحقيقي أكبر من الدواوين القليلة المجمعة له.
كان ناجي شاعراً يميل للرومانسية، أي الحب والوحدانية، كما اشتهر بشعره الوجداني. وكان وكيلا لمدرسة أبولو الشعرية وترأس من بعدها رابطة الأدباء في الأربعينيات من القرن العشرين. ترجم إبراهيم ناجي بعض الأشعار عن الفرنسية لبودلير تحت عنوان "أزهار الشر" وترجم عن الإنجليزية رواية "الجريمة والعقاب" لـديستوفسكي، وعن الإيطالية رواية "الموت في إجازة" كما نشر دراسة عن شكسبير وكتب الكثير من الكتب الأدبية مثل "مدينة الأحلام" و "عالم الأسرة". وقام بإصدار مجلة حكيم البيت. ومن أشهر قصائده قصيدة الأطلال التي تغنت بها المطربة أم كلثوم.
واجه ناجي نقداً عنيفاً عند صدور ديوانه الأول، من العقاد وطه حسين معاً، ويرجع هذا إلى ارتباطه بجماعة أبولو وقد وصف طه حسين شعره بأنّه شعر صالونات لا يحتمل أن يخرج إلى الخلاء فيأخذه البرد من جوانبه، وقد أزعجه هذا النقد فسافر إلى لندن وهناك دهمته سيارة عابرة فنقل إلى مستشفى سان جورج وقد عاشت هذه المحنة في أعماقه فترة طويلة حتى توفي في 24 من شهر مارس في عام 1953.
رفْرَفَ القلبُ بجنبي كالذبيحْ
وأنا أهتف: يا قلبُ اتّئدْ
فيجيب الدمعُ والماضي الجريحْ
لِمَ عُدنا؟ ليت أنّا لم نعد!
إبراهيم ناجي شاعر النيل أو الأطلال وإن اختلف البعض في شعره سيبقى قصيدة للحب والنيل وبلده.




ابن عباد الأندلسي..الملك العاشق..

ولقد شربتُ الراح يسطع نورها
والليل قد مدَّ الظلام رداء
حتى تبدَّى البدر في جوزائه
ملكاً تناهى بهجة وبهاء
شاعرٌ وفارسٌ قل أن يجود الزمان بمثله؛ لإخلاصه لمن يُحب (تلك الجارية التي توِّجت أميرة ثم زال عنها ملكها).. كان المُعتمد بن عباد حين آل إليه حكم إشبيلية (سنة461 هـ/1068م)، في الثلاثين من عمره، شابًّا فتيًّا، فارسًا، شجاعًا، شاعرًا مجيدًا، وأميرًا جوادًا، ذا خِلال باهرة، يُحب الأدب ومسامرة أهله.. كان "محمد بن عباد" يتمشى مع صاحبه -ووزيره فيما بعد- ابن عمار عند مرج الفضة. وكان على عكس أبيه شاعرًا رقيق القلب، يختلط بالعامة، وبينما هما يتمشيان عند ضفاف النهر، نظر محمد إلى تموجات النهر بفعل الرياح. وقال: (صنع الريح على الماء زرد..)، وطلب من ابن عمار - وهو شاعر - أن يجيزه (يُكمل ما نظمه)، فتوقف ابن عمار قليلا (يحاول ينظم)، وكان على شاطئ النهر جوار يملأن الماء في جرار فقالت إحداهن: (أي درع لقتالٍ لو جمد). فألتفت المعتمد إلى حيث الصوت فلم تكن الصورة بأقل جمالاً من المنطق. فبهر بها، وكان اسمها "اعتماد"، فسألهم ألها زوج؟ قالوا: لا, فاشتراها من سيدها وأعتقها، ثم تزوجها وولد له منها. ومضى المعتمد على حاله معها فلم يقصر في شيء يجلب السرور إلى نفسها، وقد بلغ من معزته لها أن صنع أبياتا يبدأ كل منها بحرف من حروف اسمها (اعتماد)، وهي
أغائبة الشخص عن ناظري..
وحاضرة في صميم الفؤاد
عليك السلام بقدر الشجون..
ودمع الشئون وقدر السهاد
تملكت مني صعب المرام..
وصادفت مني سهل القياد
مرادي أعياك في كل حين..
فيا ليت أني أعطى مرادي
أقيمي علي العهد ما بيننا..
ولا تستحيلي لطول البعاد
دسست اسمك الحلو في طيه..
وألفت منه حروف اعتماد
.. كانت زوجته اعتماد الرميكية شاعرة كذلك، تجمع إلى جمالها الفاتن البراعة في الشعر والأدب، وكانت أشبيلية حاضرة دولته آية في الروعة والبهاء. رصد قرارة التجربة ونمَّ عن نفس ملحمي طفيف إضافة إلى الطابع القصصي أيضاً، وطبيعي في مثل هذه الحال من الاستغراق الشعوري ألا يكون للفكر حيز كبير في بنية القصيدة، وألا تنطوي القصيدة تبعاً لذلك على المحسنات والسعي إلى الصور ربما يكشف هذا البحر المجزوء بقصر تفعيلاته عن اضطراب الأحوال التي كان الشاعر فيها، ولعل هذه المرحلة الأخيرة من مراحل حياته على قصرها أكثر مراحل حياته عطاء للشعر كان أقل شيء يُهيِّج في نفسه الشوق، ويبعث الذكرى فقد اجتاز يوماً عليه في أسره سرب قطا فأهاج وجده وآثار لواعج الشوق عنده؛ فقال:
بكيت إلى سرب القطا إذ مررن بي..
سوارح لا سجن يعوق ولا كبل
هنيئاً إن لم يفرق جميعها..
ولا ذاق منها البعد من أهلها أهل
... ويلاحظ في شعر المعتمد خلال فترة أسره التي استمرتْ أربعَ سنوات أنه لم يذكرْ هذه الأسباب لا من قريبٍ ولا من بعيد. ويلاحظ أنه كان يكتفي حينما يتحدث عن أسباب محنته بالإشارة إلى أسبابٍ عامةٍ تحصل مع أي فرد من الأفراد، وفي أي زمن من الأزمان، فيقول:
مضى زمنٌ والملك مستأنسٌ به..
وأصبح عنه اليومَ وهو نفورُ
برأيٍ من الدهر المضلل فاسدٍ..
متى صلحتْ للصالحين دهورُ؟
ويقول:
قلتُ: الخطوبُ أذلتني طوارقها..
وكان عزميَ للأعداء طرّاقا
فالسبب عنده رأيٌ فاسدٌ من الدهر المضلل، أدى إلى نفور الملك أو إذلال طوارق الخطوب له. وبذلك يعفي نفسَهُ من التطرق إلى الأسباب الحقيقية الكامنة في واقع الأندلس المعيش والمترسبة في نفوس أمرائها وولاتها.
وفي قصيدة أخرى، يقدِّم سبباً آخر لما حل به؛ ألا وهو الغدرُ:
وأبقى أُسام الذلّ في أرضِ غربةٍ..
وما كنتُ لولا الغدرُ ذاك أُسامُ
دون أن يبيِّن كيف غُدر به ومن هم الغادرون. كأن الكل يغدر بالكل فلا حاجةَ لذكر أسماء ولا لتسجيل أحداث. الغدر ظاهرةٌ وسمةٌ جليةٌ لأبناء ذلك العصر.
أرمدْتَ أم بنجومِكَ الرمدُ؟
قد عاد ضداً كل ما تعدُ
هل في حسابك ما تؤملُهُ؟
أم قد تَصَرّمَ عندك الأمدُ؟
آخرُ صيحات المعتمد كملكٍ وردتْ في قصيدته العينية الشهيرةِ. وبعدها سيصبح -كما سنرى- الملْك والإمارة من الماضي البعيد. ومع هذا التحول والتنازلِ، سنلاحظ أن المعتمد الشاعر سيبقى، وسيبقى إلى ما شاء الله خالداً في محنته وصبره، وخالداً في تسليمه لقضائه وقدره.
نلاحظ من خلال تسلسل الأحداث التي عصفت بأشبيلية، قلعة المعتمد، أن هذه القصيدةَ قيلت في غمرة تلك الأحداث أو هي روايةٌ لها فيما بعد، ووجود الأفعال الماضية فيها التي تصف ما جرى في الزمن القريب، وما صرح به المعتمد نفسُهُ وعبر به عن محنته، وما لحقه من أذى وذلٍّ. يقول: (أجلي تأخر. لم يكن بهواي ذلي والخضوعُ).
آخر قصائده التي كتبها في سجنه قبل أن يسلم الروح أسًى على وداع زوجته وحبيبته (اعتماد) التي شغف بها حبا لدرجة أنه زهد في الجواري الحسان من حوله.. وفيها يقول:
قبرَ الغريب، سقاكَ الرائحُ الغادي..
حقاً، ظفرْتَ بأشلاء ابْن عبادِ
بالحلمِ، بالعلمِ، بالنعمى إذا اتصلتْ..
بالخصب إن أجدبوا، بالريّ للصادي
بالطاعن الضاربِ الرامي إذا اقتتلوا..
بالموت أحمر، بالضرغامة العادي
وماتت الرميكية في أغمات قبل المعتمد بأيام ومات هو بعدها وجدا.

السجنُ خلوةٌ. واختلى المعتمد في سجنه وروحَه. واختلى في روحه وشعرَه، اختلى والشعرَ في خلوة الخلوات، وخلوة الجنازات: بشعره حفر قبرَهُ، وبه دفن نفسَهُ، وبه وقف راثياً، وداعيا بالرحمة.