الأدب النسوي بين البوح والتعرية..2
قد اتهمت "فرجينيا وولف" و"سيمون دي بوفوار" الغربَ بأنّه مجتمع أبوي يحرم المرأة من طموحاتها وحقوقها، وأن تعريف المرأة مرتبط بالرجل، فهو "ذات" مُهيمنة، وهي "آخر" هامشي وسلبي. وقد تأثَّرت الحركة الأدبيَّة في العالم العربي بحركة الأدب النسوي الغربيَّة إلى حَدٍّ كبيرٍ، مع اختِلافِ البيئة والثقافة والمعتَقدات، ولكنَّ عددًا كبيرًا من النساء العربيَّات انسَقْنَ في تيَّار الحركة النسائيَّة الغربيَّة، فرأينا مَن تتطرَّف أكثر من الأديبات الغربيَّات، وترى أنَّ مُصطَلح الأدب النسوي نفسه جاء لتَهمِيش المرأة وإبداعها؛ لأنَّه يفصل بينها وبين الرجل، ويُكرِّس الفَوارِق بينهما، ومنهنَّ مَن ذهبَتْ إلى حَدٍّ أبعد في هِجاء المنطقة العربيَّة الموبوءة بالحروب والديكتاتوريَّة والتخلُّف الاجتماعي، وغلبة العقليَّة الدينيَّة المتخلِّفة الداعية إلى طَمْسِ شخصيَّة المرأة خلْف جدرانٍ سَمِيكة من التابوهات والممنوعات والعيب... وغيرها، فَضْلاً عن شُيُوع الإرهاب الأسري، وإرهاب الشارِع، والإرهاب الفكري والسياسي، والديني والإنساني، على كلِّ الأَصعِدة.
ثمّ إنَّ تاريخ المنطقة من وجهة نظرهنَّ مُذكَّرٌ وخشن وذو شعر كثيف!. لقد جعَلَها الإسلام جزءًا من نفْس الرجل، ومكملاً له، ومحورًا لأسرةٍ، وألزَمَ الرجل برعايتها وحمايتها، وتربيتها وتنشِئتها، والحِفاظ على كرامَتِها وإنسانيَّتها؛
قال - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء : 1].
ومع ذلك فإنَّ هناك أَدِيبات عربيَّات يَرفُضنَ فِكرة الأدب النسوي من منظور أنَّ الأدبَ أدبٌ سواء كتَبَه رجلٌ أم امرأة؛ ولذلك لا يُقسِّمن الأدب إلى رجولي ونسائي. وتُشِير "فريدة النقَّاش" صاحِبة هذا الرأي إلى أنَّ "نازك الملائكة "كانت أوَّل مَن أبدَعَ قصيدةَ التفعيلة في الشِّعر، كما تُشِير فريدة إلى أنَّ تعبير الأدب النسوي يُذكِّرها بغرفة الحريم. وعلى كُلٍّ يُمكِن القول: إنَّ الأدب الذي تُنتِجه المرأة ثلاثة أنواع:
1- أدب إنساني.
2- أدب تُحارِب به الرجل الذي يُهمِّشها. أدب تخدم به جِنسَها، وتَعزِل من خِلاله نفسَها عن العالَم الإنساني الرَّحب.
الثقافي.
3- أدب تخدم به جنسها، وتَعزِل من خِلاله نفسَها عن العالَم الإنساني الرَّحب.
للآن وللقادم لا أملك ولن أملك أية خلفية تفسر ذاك الإنغلاق والغموض المميت أحيانا الذي يكتنف "لماذا أكتب؟! ولم هذا كاتب أو كاتبة دون ذاك"؟!، فكان من المستحيل إذن، بل من الخطورة المخيفة التنبؤ باستنتاجات أكانت نابعة من تجربة فردية شخصية أو من تفاعلي بالمحيط، إلا أنّه صار بإمكاني تخفيف وطاة ذاك الغموض الشرس والساحر على الأقل لي بنعته كتفسير وهو أنّ الكتابة لعنة لعينة، هاجس مرهق، تصيب من تشتهي دون حسبان، هي حاجة لا تطاق تيقظك بإصرار طفل رضيع، دون الانتباه. أننا في منتصف الليل، وأننا ربما مدمرين نفسيا وجسديا، أو في سهرة مع العائلة، الأصدقاء، مؤتمر أو في العمل، فقط يولد فيك فجأة حنين للورقة وللقلم وكأنّما لم ترهما منذ دهر. ذاك الاشتياق الغريب. إنّ مدى الملاحقة الفعلية للعقلية الذكورية لنصوصنا ومدى شراستها وخبثها وهي تحاول تمويهنا عن الحقيقة التي نراها ونتنفسها والتي تلعب في بطوننا، وجعلنا نسرد نصوص مغايرة تماما لا تشبهنا، تشبهم. أو نعاقب بترك أقلامنا مفتوحة ليلتهما الجفاف ونضطر للموت. وليس سهلا أبدًا الاعتراف بمرونة التمرد وقدرته على وضعنا من المحاولة الأولى على طريق الحرية، فنتمزق ليل نهار بين أن نكون أو لا نكون، و يصير وجعنا عضوا آخر نكتسبه بعد اكتمال الخلق.. نحن فقط دون غيرنا، أن هنالك بعض الكاتبات أيضا تتم مراقبة نصوصهم من بداية الإحساس بروحه فيهن، فتظل الأعين ملاحقة لعملية ولادته وبعدها فحصه بدقة واحتراز للتأكد من شرف النص. بالنسبة للأدب النسوي بعمان هناك حركة نسائية رائعة وعندنا أسماء في القصة القصيرة والشعر وهناك أسماء بدأت تلوح في عالم الرواية، وهذه الأسماء تنافس مثيلاتها العربية والخارجية ولكن الملاحظ هو اختفاء بعض الأسماء اللامعة فجأة لأسباب أو لأخرى وهذا يؤثر على الحركة الأدبية النسائية. لكن هناك حراك كبير على مستوى الأدب الأنثوي وأراه فعالا وإن اختلفت مقاييس نجاحه. وما جعلها تكتب حول الأدب النسائي، هو رغبتها معالجة الظاهرة من خلال دراسة أكاديمية، ذلك أنّ تحصين الظواهر الأدبيّة والمعرفية والثقافية علميًا هو السبيل الوحيد لعدم انفلات الموضوعي منها، ولأنّ دراسة الأدب النسائي خارج البحث العلمي قد يعرضه إلى سياقات ليس لها علاقة بالأدب، فيضيع معها منطق الأدب، ولهذا لا تنتصر للمرأة من باب التعاطف، وما دفعني للانتباه إلى خصوصية تشمل اللغة والبناء والوصف، ووضعية المرأة في كثير من الكتابات تحضر باعتبارها ذاتا وليست موضوعا وهو حضور أثر في شكل النص، وطبيعة النظر إلى المكان والزمن، وغير ذلك من الملاحظات التي تمّ تطويرها في الكتاب النقدي. لتستنتج كون الأدب النسائي ليس هو كل أدب تكتبه المرأة، بل هو الأدب الذي تكتبه بعض النساء وتنتج من خلاله مفاهيم جديدة ودلالات جديدة لمفاهيم متداولة. ومن شأن هذا التخريج المؤسس على تحليل متن كبير من الروايات النسائية أن يجعل "الأدب النسوي" نوعًا أدبيّا يعبر عن تطوّر الأدب من جهة، لكون الجديد الذي تحمله كتابة المرأة يغني الأدب لغة وبناء ومنطقا، ومن جهة ثانية يطور نظرتنا للمرأة الكاتبة باعتبارها صوتًا منتجًا للاختلاف الإيجابي من باب موقعها، والذي من شأنه أن يغني الحوار ويدعم الاختلاف ويؤسس لمفهوم الشراكة في من خلال تمثلات رمزية تنتجها المرأة والرجل بمستويات مختلفة، ولكن الإنسانية في حاجة إليهما من أجل خلق التوازن الإنساني. الأدب النسائي هو ما تقترحه المرأة في أدبها؛ ما تقترحه من مفاهيم جديدة تغني بها الحوار، ليس الأدب النسائي تكرار واجترار لدلالات المفاهيم المألوفة. لأننا نعيش في زمن المفاهيم التي نحيا بها.. وأؤكد في هذا الصدد ضرورة إدخال الخطاب النسائي إلى الجامعة، وتكوين جيل قادر على تقبل الآخر باعتباره موقعًا وإمكانية لاقتراح مفاهيم جديدة.
وأخيرا، فخَلفَ أعتاب الحروف.. نرسم عوالمنا التي نغزلها من وحي اللحظةِ والحلمِ..
لَنْ تَنفَكَ رائِحة الحب
في إغواءِ الحروفِ
وجَعلهْا تُحيكُ أحرفَ النبضات عنوةِ في كُل سَطر
أُسْدِلَ السّتارْ, وأسبحُ مع الموسيقى في المَدى, ترسمُ ألواناً ولوحات في تلكَ العَتْمَة
نحاول أن نتلقف ريشةً علّقها طائر الشّعر في الرّيح
محتملٌ أن نطير بها !!